دأبت خطبة الجمعة على طرح موضوع ثم الشروع في تبيان أهميته ومكانته وشرعيته على مساحة 90 % من وقت الخطبة ثم تخصيص 10 % للمعالجات والمطلوب العملي لخدمة الموضوع المطروح، هذا إن وصل الى هذه ال 10% وأحيانا لا يتم التطرق لما هو مطلوب البتة وإنما يُرجع الامر الى إرادة الله وفعله أو أنتظار مخلّص مثل صلاح الدين بتفكير خوارقي لا علاقة لدور الناس وفعلهم في عملية التغيير.
بينما المطلوب هو العكس لان الناس غالبا باتوا يدركون تشخيص المشكلة وينتظرون أن يصل الامام بهم الى الحلول العملية لذلك أرى عكس الأمر 10% للتشخيص وتبيان الأهمية بينما نأخذ 90% للحلول العملية الممكن والتي يجد المسلم دوره في عملية التغيير والإصلاح.
وكتطبيق عملي لموضوع اليوم حول حفظ المقدسات والارواح فالناس تدرك أهمية الموضوع تماما يبقى ما هو المطلوب؟ كيف نتحرّك لخدمة هذا الموضوع؟ لا بدّ من بلورة حالة من الوعي لسياسة المحتل في الاعتداء على المقدسات وازهاق الأرواح ، ما الذي يريد أن يصل إليه وما الذي يريده من الشعب الذي يحتل أرضه ويعتدي على مقدّساته وناسه؟ يريد لنا أن نكون قطيعا مستلب الإرادة لا حول ولنا قوة ننتظر القتل والدمار كما قتلت غزة ودمرت، من هنا ندرك أن حالة الرفض المطلق للاحتلال وكل ممارساته يجب أن تتحوّل إلى فعل يبدأ بالوعي بسياسة المحتل وأهدافه وينتهي بحراكات شعبية كممارسات لكافة قطاعات الشعب وأن لا تقتصر على فئة قليلة والباقي جمهور متفرج ومنتظر إلى أن يصله شخصيا أذى الاحتلال، وهذا الأهم من ناحية دينية أن يدرك المصلّي أن الفعاليات المناهضة لسياسة المحتل هي واجب ديني كواجب الصلاة.
وعلى علماء الامة أن يوضّحوا لكافة الشعوب العربية والمسلمة أن وقفتهم مع المظلومية الفلسطينية هي واجب ديني كما حدث يوم الاثنين الماضي حيث خرجت مظاهرات ضخمة في عدة دول عربية مثل الأردن والمغرب وتونس واليمن وهذا من أضعف الايمان سوى اليمن التي بلغت في وقوفها مع غزة أعلى درجات التضحية، بينما هناك دول عربية لم تتحرك وبقيت غارقة في عجزها وكسلها وخذلانها. فهل تستوي هذه مع تلك؟
الوقوف العملي مع غزة موقف وفعل وليس مجرد مشاعر ودموع ، ومثال عملي على ذلك ما فعلته الفتاة المغربية العظيمة #ابتهال_أبو_السعد فصدعت بالحق في مواجهة أخطبوط الميكروسوفت وانخراطها في تقديمها لخدمات الذكاء الصناعي للمحتل في حرب الإبادة، لقد ضربت هذه الفارسة المقدامة الشجاعة مثالا لملايين الموظفين الذين يُؤجّرون عقولهم للباطل بحجة المحافظة على وظائفهم، هناك رجال دولة وموظفي مؤسسات وبنوك وحتى علماء وأئمة مساجد لا يجرؤون على مواجهة الباطل ويوظفون في خدمة الباطل، وفي الدين نعلم أن كل من يعين ظالم هو ظالم ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) ، لقد أقامت الحجة ابتهال أن من يبتهل لله تعالى لا يجوز له أن يبتهل لغير الله. وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر كما ورد في الحديث الشريف. فالمطلوب العملي أن يصطف المؤمن مع أهل الحق وأن يشتبك مع أهل الباطل ولو بموقف أو كلمة وأن نكون جنودا في طوفان الوعي. وإننا نلاحظ أنّ هناك من يجنّد موقفه وكلمته لمقولة الاحتلال فهل هذا هو المطلوب لمواجهة العدوان على المقدسات والممتلكات والارواح أم العكس تماما هو المطلوب.
لقد وضعتنا ابتهال أمام المرآة لنرى أنفسنا أين نقف وهل لدينا استعداد للتضحية من أجل مواقفنا؟ لا يمكن أن نصل إلى أهدافنا وأن ننتصر على أعدائنا دون أن يكون لدينا الاستعداد للتضحية، أهل الباطل يضحون من أجل باطلهم وأهل الحق يريدونه على طبق من ذهب دون أية تضحية؟ هناك الكثير من المواقف والأنشطة والفعاليات الجماعية التي من شأنها أن تجنّد شعبنا والشعوب العربية والإسلامية في خدمة القضية الفلسطينية، تصوّروا لو أن هذه الألوف المؤلفة التي تؤم المساجد تشارك في الحراكات الداعمة لغزّة، للأسف نسبة قليلة جدا والغالبية العظمى لا تستشعر واجبها الديني وقد تعتبر ذلك أقلّ وجوبا من سنة السواك.
لاحظوا أيها الاخوة الكرام كيف قلبنا المسألة 90% حديث عملي بينما 10 % فقط لتوصيف المشكلة.